ربما أكون قد تكلمت عن هذا الموضوع سابقا، ولكن الحقيقة أنه يستحق الكلام أكثر من مرة. كم شخصا وجدت في صفحة التعريف الخاصة به على الإنترنت أن المدينة التي يقطن بها هي Cyberspace أو "الفضاء الإلكتروني"؟ الحقيقة أنها موجودة بكثرة، وأضف لذلك هؤلاء الذين يقطنون هناك ولا يعرفون ذلك!!
أين تقع Cyberspace؟
في الواقع الذي نعرفه، لا وجود لمثل هذا المكان، بل يقصد به ذلك الفراغ الذي تتحرك فيه الإلكترونيات والبيانات بين أسلاك الحاسب، وتعيش وسط البيانات الإلكترونية، في عالم لغته الرئيسية تتكون من رقمين: الصفر والواحد.
الشخص الذي يعيش في هذا العالم الإفتراضي، هو شخص غير الذي تعرفه في الواقع غالبا، ويمكن الجزم بأن هذا هو السبب الرئيسي في نجاح ألعاب الواقع الإفتراضي ومواقع الحياة الاخرى، مثل الحياة الثانية وهي مواقع تتيح لك فرصة رسم شخصيتك الخاصة بالكيفية التي تريدها، وبإختياراتك الخاصة - بما إن الواقع ليس مبنيا على اختيارتنا فقط. ولكن هناك الكثيرين الذين لا يعرفون هذا النوع من الألعاب ولا هذه المواقع، ولا حتى يعرفون هذه الجمل، ولكنهم اختاروا البقاء في الفضاء الإلكتروني. قد تعرف شخصا يعيش في عالمه الخاص في غرف المحادثة على الإنترنت، حيث يجد أصدقاءا آخرين وحتى قد تجد حبا آخر، وقد يكون هناك شخصا عرفته في هذا العالم، يعرف عنك أكثر مما تعرفه عنك عائلتك، عن طريق ما تحكيه له وتتكلمون فيه. فهناك أنت تعرض ما تريد أن يراه الآخرون، وتخفي ما لا تحب أن يروه؛ بغض النظر عن تقييم هذه الصفات، فقد تخفي صفة حسنة أو تظهر صفة سيئة!! فلا شئ يهم هناك... قد تظهر صورتك الحقيقية، وقد تعرض صورا لشخص أنت لا تعرفه! قد تبوح بكل أسرارك، وقد تؤلف أسرارا لتشاركها مع الآخرين. ويمكن ألا تكذب بأي شأن، ولكنك ستجد في هذا العالم النجاح الذي لم تعرف مثله في الواقع.
منذ انتشار الإنترنت، وقد تكلم مئات الأطباء النفسيين عن هذه الظاهرة، وأكد الجميع على أنها هروبا من الواقع! حتى لو كانت حياتك الواقعية حياة وردية؛ فقد نهرب منها لمجرد أنها لا تعجبك. هناك وفي ذلك العالم، تجد معايير مختلفة، حيث الشكل غالبا هو آخر شئ تفكر فيه، وقد لا تعرفه أبدا، فتجد مجموعة من الأصدقاء في منتدى - مثلا - مترابطين بشدة وهم لا يعرفون شكل بعضهم البعض! وحقيقة الأمر أن هناك بعض من يعيشون في هذا العالم لا يهتمون بالتعارف قدر اهتمامهم بتقديم خدمات.
وأغلب مقدمي الخدمات المجانية على الإنترنت، هم أشخاص يسعون للشهرة، حيث هناك العامل الرئيسي هو لقبك أو إسم ظهورك (nickname)، فتجد أن هناك أشخاصا على الإنترنت، فاقت شهرة ألقابهم السماء، حتى لم يعد بإستطاعة أحد انتحالها أو تقليدهم، من رهبة الإسم!! ولو حاولت فستكون مكشوفا جدا، لأن الناس حفظوهم بدون أن يعرفوا حتى هيئتهم.
هناك مقولة بالإنجليزية تقول: "don't google your name" أو "لا تبحث عن إسمك على الإنترنت"، وهي تفيد أمرا بألا تصاب بالغرور لدرجة أن تبحث عن إسمك على الإنترنت. و من الواضح طبعا أنها جملة حديثة العهد، وظهرت بعد انتشار محرك البحث الأشهر Google، فهذه الكلمة تستخدم الآن كفعل رئيسي في الإنجليزية بمعنى "يبحث"، وقد تتغير الجملة الخالدة "cherchez la femme" إلى "google la femme" قريبـًا! ذكرت هذه النقطة لأنها مرتبطة بموضوعنا الأساسي، وهي أن هناك أشخاصا الآن يحبون البحث عن أسمائهم على مواقع البحث، ولن أنكر أنني فعلتها أكثر من مرة.
الأغلبية تستخدم لقبها في عملية البحث، مثل اللقب الذي أعرف به "riddler"، والقلة الباقية تبحث بالإسم الحقيقي، وهؤلاء هم شخصيات معروفة في الواقع طبعا، لذلك تجدهم على الشبكة بأسمائهم. المفارقة المثيرة للسخرية هي أن أشهر الألقاب على الإنترنت، هي لأشخاصا لن تعرف أبدا أسمائهم الحقيقة! لأنهم في الغالب إما قراصنة مواد ذات حقوق نسخ، أو مروجين لأفكار غريبة يخشون أن يعرفهم أحد في الواقع.
فهناك ذلك الإسم الذي يفرض نفسه على عقلي منذ بدأت الكتابة، وأعتقد أنه لن يرحل حتى أكتبه هنا كمثال على هذه الحالة. إنه لقب "أكسو" أو كما يكتب بالإنجليزية "aXXo" مع مراعاة الحروف الصغيرة والكبيرة. إنه الإسم الذي يكتسح مواقع مشاركة الأفلام، ولو كنت من محبي الأفلام الأجنبية، أو حتى لديك بضعة أفلام أصلية على جهازك؛ فلابد أن تجد إسمه عندك. مع أن هذا الشخص فشل الآلاف، بل ومئات الآلاف في معرفة حتى البلد التي يعيش بها!! طبعا السبب هو نوعية الخدمات التي يقدمها والتي يحاسب عليها القانون...
أما لو كنت مستخدما محترفا للكمبيوتر فقد تعلق في ذهنك أسماء المجموعات التي ترفع ألعابا أو برامج. ها قد ذكرت الإسم، هل سيرحل عن مخي الآن؟
كم شخصا شهيرا تعرفه من لقبه المجرد ولا تعرف عنه شيئا؟؟ قد يكون عضوا في منتدى أو مترجما لأفلام تراها أو رافع أفلام اعتدت رؤية اسمه في شريط على شاشة الفيلم أو... أو... أو.... هي أمثلة لن تنتهي، ولكنها أصبحت ثابتا في حياتنا الواقعية! إذا في النهاية، تحولت شخصيات الفضاء الإلكتروني إلى جزء من واقعنا، وحُـفرت في أذهاننا أيا كان السبب.
نقطة أخيرة: "google your name" أو "ابحث عن اسمك على جوجل" بكلا الطريقتين. مرة بإسمك الحقيقي، ومرة بلقبك - لو كان لك لقبا ثابتا، وأخبرنا بالنتائج. طبعا نستثني من هذا ألقاب الحب والرومانسية، والتي لا تعبر عن شئ سوى الفراغ العاطفي الذي تعانيه، مثل "عاشق الرومانسية" و "أميرة الحب" وغيرها من الأسماء. لاحظ أنني ارتجلت هذه الأسماء للتو، ولا تغضب من أي تشابه بينها وبين الواقع. في انتظار إجاباتكم، ويمكنكم كذلك التصويت على الإستفتاء في العمود الأيمن من هذا الموقع، وبكل صراحة.